امرؤ لا يرمي الشبهة من يده، ولو أثخنتها الحجة الدامغة، فلا بد من أن نأتي على قويه وضعيفه حتى تشهد "هذه الطائفة القليلة من المستنيرين الذين هم في حقيقة الأمر عدة المستقبل" أن المؤلف كئيراً ما يقوده الخيال أسراً، وتسيطر عليه العاطفة فلا يعصي لها أمراً.
* الاستشهاد بالشعر على تفسير القرآن:
قال المؤلف في (ص ٩): "وينتهي بنا البحث إلى نتيجة غريبة، وهي أنه لا ينبغي أن يستشهد بهذا الشعر على تفسير القرآن وتأويل الحديث، وإنما ينبغي أن يستشهد بالقرآن والحديث على تفسير هذا الشعر وتأويله".
لم تكن هذه النتيجة غريبة إلا عند من يتناول البحث خطفاً، ولا يمشي فيه على روية وأناة، وقد أنكر بعض أهل العلم - فيما سلف - على من يتوقف من النحويين في تقرير ألفاظ القرآن على شاهد عربي، ومن هؤلاء: فخر الدين الرازي حيث يقول في "تفسيره الكبير": "إذا جوّزنا إثبات اللغة بشعر مجهول عن قائل مجهول، فجواز إثباتها بالقرآن العظيم كان أولى، وكثيراً ما أرى النحويين متحيرين في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن، فإذا استشهدوا في تقريرها ببيت مجهول، فرحوا به. وأنا شديد التعجب منهم؛ فإنهم إذا جعلوا ورود ذلك البيت المجهول على وفقه دليلاً على صحته، فلأن يجعلوا ورود القرآن دليلاً على صحته كان أولى".
وأنكر أبو محمد بن حزم على من لا يمضي في الاحتجاج بظاهر القرآن، فقال في كتاب "الفصل": "ولا عجب أعجب ممن إن وجد لامرئ القيس، أو لزهير، أو لجرير، أو الحطيئة، أو الطرمّاح، أو لأعرابي أسدي أو تميمي، أو من سائر أبناء العرب لفظاً في شعر أو نثر، جعله في اللغة، وقطع به، ولم