ومن أسباب عظمة النفس ومقامرتها في الشرف: شعورها بأنها غصن من شجرة نبتت نباتًا حسنا، وآتت كلها ضعفين.
إن شعور نشئنا بما كان للشرق من حلوم راجحة، وحياة علمية زاهرة، ليجعلهم من سمو الهمة وقوة العزم بمكان لا تحظى به نفوس يقال لها: انسلخي من شرقيتك، إنها مرذولة، اخرجي في صبغة غربية، إنها أخذت الكمال من جميع أطرافه.
ولا أقصد بانكار نزعة المؤلف أن نشعر الناشئ بأن الشرق في غنى عن الغرب، أو أن نذكر الشرق بكثر مما تسعه الحقيقة، فإن الأول صد عن سبيل الرقي، والثاني جناية على التاريخ، وعلى ما يسميه الأخلاقيون أو اللغويون: صدقاً وأمانة.
يسرنا من أستاذ في الجامعة أو في غير الجامعة أن يتحدث عن (ديكارت)، ومنهج (ديكارت)، وعن الثمرات التي جناها أهل العلم من سيرهم على منهج (ديكارت)، ونكره مع هذا أن يغلو الأستاذ في جحود ما كان للشرق من عبقرية، حتى يتناهى به الغلو إلى أن يسمي الثقافة: عقلية غربية.
تدرس الأمم الراقية تاريخها؛ لأنه علم، وتُعنى بدرسه؛ لأنه يفضي إلى أبنائها بما كان لسلفهم من مآثر فاخرة، فيدخلون معترك هذه الحياة بشعور سام، وهمم يصغر لديها كل خطير، أما المؤلف، فإنه يدسّ في محاضراته فقرات شأنها الإزراء بأي قومية شرقية، وقد نفذت هذه الدسيسة في نفر حتى تيسر لها أن تجمع في نفوسهم بين المهانة والغرور.
لا نمتري في أن المؤلف درس مقدمة ابن خلدون، ولو كان فيه روح من إخلاص، لم ينصرف عن هذا الحديث حتى ينبه على منهج ذلك