للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى نثر الجاحظ، ونظم البحتري.

وجمع القاضي الجرجاني إلى غزارة العلم ذوقاً سليماً، ونقداً للشعر عادلًا، وبسلامة الذوق والعدل في النقد استطاع أن يخرج كتابه "الوساطة بين المتنبي وخصومه" في صنع حكيم، ووضع بديع، وكان الصاحب بن عباد ألف رسالة في إظهار مساوئ المتنبي، ولم تمنع القاضي الجرجاني صداقته للصاحب أن يؤلف كتاب "الوساطة"، ويسلك فيه مسلك الإنصاف، فيرد كثيراً مما عده الصاحب وغيره من سقطات المتنبي.

ومن قرأ كتاب "الوساطة"، وذكر أن الشيخ عبد القاهر الجرجاني أخذ من القاضي الجرجاني، واغترف من بحره، وكان يفتخر بالانتماء إليه، تنبه لناحية من النواحي التي استمد منها عبد القادر براعته في كتابي "دلائل الإعجاز"، و"أسرار البلاغة".

وإذا كان في المنتمين إلى قبيل العلماء من إذا أدرك شهادة أو منصباً أو وجاهة، قلَّ إقباله على العلم، وأصبح يأنس بلقاء الناس، وشمعى إليه ما استطاع، ولا يبالي أن يقضي الساعة أو الساعتين في محادثات تمضي مع الوقت دون أن يكون لهما أثر في نماء علم، أو إتقان عمل، فإن القاضي الجرجاني من الطبقة التي تلذ العلم، وتأنس بالكتاب، وترى في ذلك غنيمة الحياة، فاقرأ إن شئت قوله:

ما تطعمت لذة العيش حتى ... صرت للبيت والكتاب جليسا

ليس شيء أعز عندي من العلـ ... ـم فلا أبتغي سواه أنيسا

ولا يضر أمثال القاضي الجرجاني أن يقلل من لقاء الناس، ويؤثر أن يكون للييت والكتاب جليساً، ما دام يحمل في يمينه قلماً يبث به في القراطيس