للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإِسلام، قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥].

فقضاءُ رسول الله - صلوات الله عليه - شطر من المهمة التي أرسل من أجلها، وهو طريق من طرق إبلاغه شريعة الله - جل شأنه -.

قال الكاتب: ويقول: "لعل أحدكم ألحن بحجته، فإنما أنا بشر"، وأصل هذا الحديث كما جاء في الصحيح (١): "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلى، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، فلا يأخذن منه شيئاً، فإنما أقطع له قطعة من نار".

ولإيضاح معنى الحديث نقول: إن الله تعالى أرسل محمداً - صلى الله عليه وسلم - لتكون سيرته المثل الأكمل في كل ناحية من نواحي الحياة الفردية أو الاجتماعية أو السياسية، ومما يدخل في ناحية السياسة: القضاء، وقد أمده الله في هذه الناحية- زيادة على ما فطر عليه من رصانة العقل وثقوب الفكر- بالأحكام والآداب التي تجعل قضاءه عادلًا، وموضع قدوة الحكام الراشدين من بعده.

ومما أمده الله به: أن جعل قضاءه على نحو ما يسمعه من الخصمين، وما يقيمونه من البينات، وما يلفظون به من أيمان، ولم يأخذ في صحة حكمه أن يكون الإقرار أو البينات أو الأيمان صادقة مطابقة للواقع؛ فإن بناء كل حكم على ما كان مطابقاً للواقع- وإن تيسر للنبي- صلى الله عليه وسلم - لا يتيسر لحكام ليس بينهم وبين الخالق - جل شأنه - صلة الوحي، وذلك معنى قوله -عليه


(١) "الموطأ" و"صحيح البخاري" و"صحيح مسلم".