للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولنا أن نتساءل: هل كان هؤلاء العرب يؤمنون بنبوة إبراهيم وإسماعيل قبل اتصالهم بهذه الجالية؟ أم كانوا يسمعون بها ولا يؤمنون؟ أم كانوا لا يسمعون بها ولا يؤمنون؟.

فمان كانوا يؤمنون بها، فالإيمان إنما يكون عن علم شيء من تاريخ حياتهما، وأقل واجب في هذا السبيل معرفتهم أين بعثا، وأين كان مقامهما؟ وإذا كانوا يتلقون عن آبائهم حديث إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام -، وفرضنا أن إسماعيل لم يكن نزل بمكة، ولا عاش بها طول حياته أو أكثرها، فمن الصعب على تلك الجالية أن تعبث بعقول أمة كاملة، وتحولها إلى الاعتقاد بغير ما عرفته خلفاً عن سلف دون أن تأتيهم بسلطان مبين.

وإن كانوا يسمعون بنبوتهما ولا يؤمنون، أولا يسمعون بها ولا يؤمنون، فمن الجليّ الواضح أن شرف إبراهيم وإسماعيل وسمعتهما الفاخرة إنما اكتسباها من النبوة، وإذا كان العرب لا يؤمنون بنبوتهما، فهم لا يسلّمون لهما هذا الشرف حتى يسرعوا إلى قبول ما تزوّره لهم الطائفة المستعمرة، فلا بد من أن يضاف إلى حديث الاحتيال: أن الجالية اليهودية أقنعتهم بصحة نبوة إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام - حتى وثقا بما لهما من شرف المنزلة وسمو القدر، ورأوا أن ربط نسبهم بإسماعيل يزيد في فخرهم ورفعة شأنهم.

وإذا كان في إمكان الجالية اليهودية أن تقنعهم بنبوة إبراهيم وإسماعيل، فلماذا لم تقنعهم بما هي أحرص على إقناعهم به، وهو نبوة موسى - عليه السلام - فتكون بينها وبينهم قرابة دينية، وهي أشد صلة وأدعى إلى التآلف والسكينة؟.