للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودقة معانيها، وحسن نظام مبانيها. وكانت هذه اللغة مجهولة عند الأمم، ومن يوم علمت، ظهرت لنا في حلل الكمال إلى درجة أنها لم تتغير أي تغير يذكر، حتى إنها لم يعرف لها في كل أطوار حياتها لا طفولة ولا شيخوخة - لا نكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تبارى، ولا نعلم شبيهًا لهذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملة من غير تدرج، وبقيت حافظة لكيانها من كل شائبة".

وقد ذكر محاسن العربية رجال يعرفون غيرها من اللغات الراقية، وشهدوا لها بأنها أقرب اللغات انطباقاً على النظم الطبعية.

قال المطران يوسف داود الموصلي: "من خواصّ اللغة العربية وفضائها: أنها أقرب سائر لغات الدنيا إلى قواعد المنطق؛ بحيث إن عباراتها سلسلة طبيعية، يهون على الناطق صافي الفكر أن يعبر فيها عما يريده من دون تصنع وتكلف، باتباع ما يدله عليه القانون الطبيعي، وهذه الخاصية إن كانت اللغات السامية تشترك فيها مع العربية في وجه من الوجوه، فقلما نجدها في اللغات المسماة "الهندية الجرمانية"، ولا سيما الإفرنجية منها".

لندع الحكم بين اللغة العربية وأي لسان أعجمي لمن يعرف العربية الفصحى، ويعرف ذلك اللسان الأعجمي، فهو الذي قد يصغي إليه الناس متى آنسوا فيه الإنصاف، ويتلقون حكمه بالقبول. والذي أقوله، وأنا على بينة مما أقول: إن أساليب اللغة العربية أقرب إلى النظم الطبعية من اللسان الألماني؛ فإن في اللسان الألماني ضروباً من التصرف يفقد بها الكلام ترتيبه الطبعي، وليس لهذه الضروب في العربية الفصحى من شبيه، وسنلمّ بشيء من أمثلة ذلك في بعض فصول هذا الكتاب.