ويقصره على المساعي الحميدة التي ترضي الله وتنفع الناس، وبذلك ينتشر العمران في أطراف البلاد، وتتوفر مواد الصلاح وتنقطع أسباب الفساد، وذلك هو معنى المدنية.
أما من كتب على نفسه البطالة، فقد رضي لها بأسوأ الحرف وأخسها، إذ لا صنع لهذا المحترف غالباً إلا التمضمض بكلمات التشنيع والتسخط على ما يفعله غيره، وإن غزرت فائدته، ولا تراه إلا متردداً على المجالس التي تساق إليها بضائع اللغو؛ ليكون أحد الحاملين لأسفارها، ومما يعجب منه أنك تجد الرجل يحسن القراءة، وحواليه كتب مفيدة يمكنه أن يقتبس منها فوائد يستضيء بها صدره من ظلمات الجهالة ولا يفعل، وتجد آخر يتقن صناعة، أو له استعداد لإتقانها، وليس له حركة إلا الانتشار في الطرق، كأنما أوجر على قيسها، ولا توفيق إلا بالله.