السلام - في محاجّة قومه الواردة في القرآن {هَذَا رَبِّي}[الأنعام: ٧٦] مشيراً إلى النجم، ثم القمر، ثم الشمس. وقد ذكر المحققون للمتشابه وجوهاً أظهر من هذا الوجه، وفهموا قول إبراهيم - عليه السلام - على غير هذا التأويل.
ومن حكمة الداعي: أن يسبق إلى العمل بما يأمر، فقد يكون اقتداء الناس بأفعال المصلح أقرب من اتباعهم لأقواله، ويشهد بهذا سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - في شرع الأحكام، فتراه في بعض الأحيان يصرح بالإذن في أشياء، فلا يبادرون إلى فعلها، ويستمرّون على الإحجام عنها حتى يقرّرها بالعمل، ثانياً: تجده قد أذن لهم- وهم على سفر- في الإفطار شهر رمضان، وبقي هو صائماً، فلم يقطعوا صومهم حتى عمد إلى الفطر، فخفّوا إلى الاقتداء بفعله، وأفطروا. وأذن لهم في نكاح من كنَ أزواجًا لأدعيائهم، فكبر عليهم أن يخرقوا هذه العادة حتى تزوج - صلى الله عليه وسلم - بزينب بعد أن فارقها مولاه زيد، وفي هذا المعنى نزلت آية:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}[الأحزاب: ٣٧].
ومن الوسائل التي يكون لها أثر في تألّف الجاهلين أو المفسدين، وتهيئتهم إلى قبول الإصلاح: بسط المعروف في وجوههم، وإرضاؤهم بشيء من متاع هذه الحياة؛ فإن مواجهتهم بالجميل، ومصافحتهم براحة كريمة، قد يعطف قلويهم نحو الداعي، ويمهد السبيل لقبول ما يعرضه عليها من النصيحة. والنفوس مطبوعة على مصافاة من يُلبسها نعمة، ويُفيض عليها خيراً. ولمثل هذه الحكمة ذكر القرآن في مصارف الزكاة: صنف المؤلفة قلوبهم، فقال تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ}[التوبة: ٦٠]