فاتحهم بالإنكار على قتله، وهو لا يدلُّ على أنه مصدّق برسالته، إذ قد ينهى العاقل عن سفك دم الرجل أو اضطهاده، وهو من أبغض الناس إليه، تألماً من مشهد الظلم، أو حذراً مما ينشأ عنه من فتنة، ودل بقوله:{أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ}[غافر: ٢٨] على ما لهذا الرجل من فضل في العقيدة، وأومأ إلى أنه لم يجئ شيئاً نكراً يستحقّ به هذه العقوبة الصارمة، وذكّرهم إذ قال:{وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ}[غافر: ٢٨] بالدلائل القائمة على صدقه في دعوى الرسالة، وقد أخذ يتقرّب بهذه الجملة من دعوتهم إلى الإيمان به، ولم يرد التظاهر بأنه من شيعته، فعزل نفسه عمن جاءهم بهذه البينات، وأضاف مجيئها إليهم خاصة، ثم استرسل في موعظته المنسوجة في أدب الإنصاف إلى أن صدع ببطلان نحلتهم، ودعاهم إلى دين الحق بقوله الصريح، قال تعالى فيما يقصه عنه: {وَيَاقَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ} [غافر: ٤١، ٤٢].
قد يسكت المرشد عن بعض ما يكون حقاً، أو يتعرض له بعبارة مجملة، أو ذات وجهين، إذا لم يساعده الحال على أن يصدع به، ورأى ضرر التصريح به أرجح من نفعه. وليس له أن يقول غيرَ الحق بقصد أن يتألف أصحاب النحَل والمذاهب الزائغة، ويستدرجهم إلى ما يُورده بعده، أو يثبته في حديثه من الحقائق والدلائل الفاضحة لمعتقداتهم وأوهامهم. وزعم الرازي صحة هذا الصنيع، وعدَّه من حكمة المتشابه في التنزيل، وحمل عليه قول إبراهيم - عليه