من الناس أن يرد كل شيء إلى العرب، حتى الأشياء التي استحدثت، أو جاء بها المغلوبون من الفرس والروم وغيرهم. وإذا كان الأمر كذلك، فليس لانتحال الشعر على الجاهليين حد. وأنت إذا نظرت في "كتاب الحيوان" للجاحظ، رأيت من هذا الانتحال ما يقنعك ويرضيك".
لم يكن أهل العلم يأخذون الشعر على أنه جاهلي من كل من يكتبه في كتاب، أو ينشده في مجلس، بل كانوا يفرقون بين هذا الذي يرويه الثقات، أو تتعدد مآخذه؛ كالمفضّليات والمعلّقات، وبين ما يرويه أناس نقدوهم، فلم يجدوهم على ثقة، ومن هذا النوع ما ينفرد بروايته الجاحظ؛ فإنهم كانوا يعدون أحاديثه وأدبه مما يستعان به على السمر، قال أبو منصور الأزهري في مقدمة "تهذيبه" يصف الجاحظ: "وكان أوتي بسطة في لسانه، وبيانًا عذبًا في خطابه، ومجالًا واسعاً في فنونه، غير أن أهل المعرفة بلغات العرب ذمّوه، وعن الصدق دفعوه، وأخبر أبو عمرو الزاهد: أنه جرى ذكره في مجلس أحمد بن يحمى، فقال:"اعزبوا عن ذكر الجاحظ؛ فإنه غير ثقة، ولا مأمون"، وينبئك بن من هذه الأشعار العربية ما لا يثقون بروايته، ويعدونه فيما يسمر به عند الملوك ونحوهم: قول ابن سلام -بعد أن ساق بيتين ينسبان إلى لبيد-: "ولا اختلاف في هذا أنه مصنوع، تكثر به الأحاديث، ويستعان بها على السمر عند الملوك، والملوك لا تستقصي".
فيما يرويه الجاحظ في نحو "كتاب الحيوان" من الشعر، وينفرد بروايته، لا يثق به أهل العلم، ولا يبنون عليه تاريخاً، ولا يعولون عليه في تقرير حكم، أو قاعدة لغوية، وإنما يقرؤونه من حيث إنه أدب، وهو من أدب اللسان، وإن كان معزوّاً إلى غير قائله.