للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليست له مهارة في علاج كل مرض بما يلائمه، وهو المسمى بالتطبيق، ومن أجل ذلك لم يكتف به الإله جلّ وعز في إقامة الحجة على الناس، بل عذر أهل الفترات في عدم اهتدائهم، فقال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥]، وقال: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه: ١٣٤]، وقال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [لإسراء: ١٥].

فلا جرم أن السياسة العادلة لا تأخذ منتهى غايتها إلا باستناد أحكامها إلى من أحاط بكل شيء علماً، ولو اطلعت على التواريخ العتيقة والحديثة، ودرستها درساً مدققاً، لملئت يقيناً وازدت إيماناً مع إيمانك بذلك الحق الذي هو أوضح من محيَّا النهار، ولا يرتاب فيه إلا ذو بصيرة غشيها غبار الغباوة، فلم تنعكس أشعة الحقائق في مرآتها.

فكَّر "داسولون" متشرع أثينا ليسنَّ في قومه قانوناً يقشع عنهم ظلمات ما هم فيه من البغي، ويحول بينهم وبين كل جناية، فخطر على باله أن يقرع أسماعهم بروعة القانون، فشدد عليهم إصر العقوبة بتقريره القتل جزاء لكل جريمة صغيرة كانت أو كبيرة.

خفي على هذا الفيلسوف، أنَّ جعل القتل عقوبة ولو على الكذبة الواحدة، فضلاً عما فيه من الإفراط في الحكومة والنقص من الأنفس، هو من الانحرافات المفضية إلى قتل الهمم وغمس القلوب في صبغة الجبن والخوف، ولن تفلح أمة كُسيت بكسوة الفزع والذلة أبداً.

وأخذت "أفلاطون" وريث "سقراط" الرأفة بقومه من أن تتسرب إليهم