العدوى بالأخلاق الفاسدة من الأجانب، فقرر أن تغلق أبواب بلاده أمامهم، ولم يُحسن السياسة في ذلك لجملة أسباب، منها أن الأمة إنما تحفظ استقلالها الذاتي بالتيقظ لنوايا الأمم الأخرى، والتخرص على حركاتها الخفية، ومثل ذلك لا يحصل إلا بمداخلتهم وتبادل المعلومات معهم.
ومن جملة غلطات هذا الفيلسوف، أنه عمد إلى القطب الذي تدور عليه ترقيات الشعب وهي "التجارة" فرمقها بعين الاحتقار، لما دار في حسبانه أنها من المهن الخسيسة، فقرر في قانونه أن يعاقب كل يوناني تطمح نفسه إلى استدارة دولابها.
وظنَّ "أرسطو" أبو الفلسفة أن جميع الحرف والصنائع من الدنايا السافلة، فقرر في شريعته أن يعامل كل من يتعاطاها بحرمانه من الحقوق الوطنية، فمثل هاته القوانين لو تمسكت بها أمة ولو بضعة أيام لسقطت في دركات الشقاوة السفلى.
ذلك التشريع الذي يحمل على المناهج السوية، ويتكفل بتحديد الحقوق الإفرادية والاجتماعية، لا يتوغل في مناحيه العميقة، ويوضح ما دق من مشاكله الغامضة، إلا الدين الذي هو وضع إلهي يسوق الناس باختيارهم إلى الانتظام في أعمالهم الدنيوية والتأهل للزلفى من الله في الحياة الأبدية، وإن له عند الرجل العظيم لصولة موهوبة وسلطنة مقدسة، يخر لها صعقاً، ولا تبغي نفسه الكريمة عن السكون تحتها حولاً، لكنه عند هزيل العقل عريض الوسادة عسير الاتباع.
نريد للرجل العظيم من كمل اطلاعه على أحكامه الفرعية، وأبعد فيها نظره إلى أن رآها كيف انتزعت من مداركها الأصولية، فتوفرت في نفسه الثقة