أخرى حتى بلغ المنزلة التي ظهر بها شعر هؤلاء الإسلاميين.
ومما لا يحسن النزاع فيه أن يكون لأولئك الشعراء أسماء معروفة لدى قبائلهم وغير قبائلهم؛ إذ لا يقف شعر الشاعر البليغ عند حدود قبيلته، بل الشأن أن يتجاوزها إلى قبائل أخرى، فيسير الشعرُ، ولا يكاد اسم قائله يتأخر عنه إلا قليلاً.
ومن الثابت أن العرب في الجاهلية كانوا يفرغون عنايتهم في حفظ الأشعار وإنشادها، ويرفعون مقام الشاعر إلى ما ليس بعده مرتقى. وهذا ما يقتضي أن يبقى من قصائد أولئك الشعراء ومقطوعاتهم مقدار تحفظه الرواة، وتتناقله عنهم الناس؛ حرصاً على ما فيه من حكمة وبلاغة.
وإذا كان للجاهلية شعر، وكان لشعرائهم أسماء، وكانت عناية العرب بالشعر تستدعي حفظه وتداوله على ألسنة الرواة طبقة بعد أخرى، لم يبق إلا النظر في نسبة الشعر إلى شعراء بأعينهم، وفي مبلغ الثقة بهذه النسبة، وذلك ما نخوض في بحثه عندما يقع المؤلف في الحديث عنه.
يدّعي المؤلف أن هاهنا فريقاً يقال لهم: أنصار القديم، وعزا إليهم مذهباً قال عليه: إنه رسم للأدب دائرة، وحجر على الباحث مجاوزتها. ونحن لا ندري ما هذا المذهب، ومن هؤلاء الأنصار، ولا نفهم إلا أن الرهط الذي وضع يده في يد المؤلف عرف أن بيانه يضيق عن قضاء ما في نفسه من مآرب، فالتجأ إلى اختراع ألقاب يحسبها كافية في استدراج أبناء الشرق إلى تلك المآرب، فقال:"قديم"، و"جديد"، و"أنصار القديم"، و"أنصار الجديد"، حتى سمّوا الداعي إلى العفاف:"رجعيا"، وسمّوا الخلاعة:"تجدداً".