وتعرض جرجي زيدان في كتاب "تاريخ التمدن الإسلامي" لما أخذ الناس من العجب لهذه النهضة العربية الاسلامية حين قال: "للكتّاب وأهل النقد بحث طويل، وجدال عنيف في الأسباب التي ساعدت العرب على فتح بلاد الروم والفرس، وقهر القياصرة والأكاسرة برجال يكاد عددهم لا يزيد على عدد حامية مدينة من مدن أولئك، مع ما كان عليه العرب يومئذ من سذاجة المعيشة، وقلة الدربة في فنون الحرب، وضيق ذات اليد، وضعف العدة، والروم والفرس أعظم دول الأرض يومئذ، وعندهما العدة والرجال، والحصون والمعاقل، وزد على ذلك: أن العرب - فضلاً عن قلتهم وسذاجة أحوالهم -, فقد جاؤوا مهاجمين في بلاد لا يعرفونها، ولا نصير لهم، وأغرب من ذلك كله: أنهم فتحوا المملكتين جميعاً في مدة لا تتجاوز بضع عشرة سنة".
هؤلاء الذين عجبوا لمظهر الأمة العربية في صدر الإسلام قد درسوا تاريخ اليونان والرومان، ولو كانت المؤثرات والنتائج في هذه الأمم واحدة أو متقاربة، لما تلقوا نبأ الحركة العربية بعجب وانبهار، ولما جرى للكتّاب وأهل النقد بحث طويل وجدال عنيف في الأسباب التي ساعدت العرب على قهر القياصرة والأكاسرة.
ثم إن هؤلاء الكتّاب قد بعثوا أنظارهم في البحث عن أسباب هذه النهضة العربية، ولم يستطيعوا إلا أن يحوموا حول المؤثر الأكبر، وهو الروح الذي بثه الإسلام في صدور العرب، والنُّظُم التي أخذ بها أعمالهم - قال (ستودارد): "كان لنصر الإسلام هذا النصر الخارق عوامل ساعدت عليه، أكبرها: أخلاق العرب، وماهية تعاليم صاحب الرسالة وشريعته، والحالة العامة