أولاهما: جهة صحة تأليف الكلام بحيث لا يعد صاحبه خارجاً عن العربية، محكوماً عليه باللحن، وبعبارة أخرى: يكون الكلام مطابقاً لأحد الأساليب التي يؤدي بها العرب المعنى الأصلي بليغاً أو غير بليغ، وهذه الجهة هي التي يبحث عنها النحاة.
الثانية: جهة أخذ الكلام مرتبة من المراتب الزائدة على صحة التاليف عربية؛ أعني: مراتب حسن البيان، وهذه الجهة هي التي يبحث عنها علماء البلاغة.
وإذا درسنا كتب النحاة، وكتب البيان بإنصاف، وجدنا كلاً من الطائفتين قد قطعوا في البحث عن فقه الأساليب ودقائق التصوير بها أشواطاً واسعة، وبلغوا فيها إلى غايات بعيدة، فدعوى أنهم حرموا أنفسهم، أو حرموا أتباعهم من الاطلاع على كثير من أسرار العربية، مبنية على أن النحاة قد ضيقوا بحث علم النحو، وقد أريناك أنهم لم يضيقوه، ولكنهم لم يريدوا أن يتعدوا حدوده إلى موضوعات يبحث عنها في علوم أخرى؛ كعلم اللغة وفقهها، أو علوم البلاغة.
وأشار الأستاذ إلى الوجه الثاني من الوجوه التي أخطأ فيها النحاة إلى العربية من أجل قصرهم النحو على البحث في أواخر الكلم، فقال: "الثاني: أنهم رسموا للنحو طريقة لفظية، فاهتموا ببيان الأحوال المختلفة للفظ؛ من رفع أو نصب، من غير فطنة لما يتبع هذه الأوجه من أثر في المعنى. يجيزون في الكلام وجهين أو أكثر من أوجه الإعراب، ولا يشيرون إلى ما يتبع كل وجه من أثر في رسم المعنى وتصويره. وبهذا يشتد جدلهم، ويطول احتجاجهم،