الصاحب الذي يصفو لصاحبه في كل حال. والإِنسان محتاج إلى الإِخوان احتياجَه إلى الماء والهواء، فليس له إلا أن يتمسك بصحبة من وثق بمودتهم، ويغضي عن هفواتهم التي لم يقع فيها لفساد ضمير، أو نكث عهد مودة.
كان للعرب براعة في صوغ الحكمة، حتى طلع عليهم القرآن الكريم، وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، فامتلأت أسماعهم بالحكمة البالغة.
وأما الأحاديث النبوية، فكقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اليد العليا خير من اليد السفلى"، وقوله:"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً"، وقوله:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
أفاض القرآن والحديث النبوي أمثال هذه الحكم الرائعة، وفتحا للحكمة طرقاً كانت مقفلة، فالإِسلام ساعد الخطباء والشعراء والوعاظ على أن يسيروا في هذا الفن من الكلام بخطا واسعة، ويقطعوا فيه أشواطاً بعيدة، فأصبح الناس يسمعون من الحكم أبلغ مما كانوا يسمعون، ويجمعون منها أكثر ما كانوا يجمعون.
وإذا هممتُ أن أسوق إليك أمثلة من حكم العرب في الإسلام، تكاثرت علي تكاثُرَ الظباء على زياد، فلم أدر ما آخذ منها وما أَذَر، فانظر إلى ما شئت من الدواوين التي تحوي خطب البلغاء، ورسائل الأدباء، وقصائد الشعراء، ومحاورات العلماء، ففيها ثمرات قرائحهم الخصيبة، ونظراتهم الصادقة.