ولأبي الطيب المتنبي في هذا الميدان جولات سبق بها أقرانه من الشعراء، وللصاحب بن عباد صحائفُ جمع فيها ما يحسن التمثل به من شعر المتنبي؛ كقوله:
ومن ينفقِ الساعاتِ في جمع مالِه ... مخافةَ فقر فالذي فعل الفقرُ
وقدمها هدية لمخدومه فخر الدولة، الذي كان يتمثل كثيراً بأبيات من نظم هذا الشاعر الحكيم.
وأورد ابن أبي حجة في "شرح بديعته" ما ملأ به صحائف كثيرة من حكم أبي الطيب المتنبي، وربما أورد بعد البيت أو قبله ما يدل على إعجابه به، كما تعرض لقصيدته التي يقول فيها:
وما الخيل إلا كالصديق قليلةٌ ... وإن كثرت في عين من لا يجرِّب
وقال منها وأجاد إلى الغاية:
وأظلمُ أهل الظلم من بات حاسداً ... لمن بات في نعمائه يتقلب
وكما أشار إلى قصيدته:"واحرّ قلباه ممن قلبه شَبِم"، وقال: ومنها، وليس لمثله مثيل:
إذا ترحلتَ عن قوم وقد قدروا ... أن لا تفارقهم فالراحلون هُم
وفي لامية الطغرائي أبيات كثيرة تشتمل على حكم غزيرة، فجرت على ألسنة الأدباء والكتاب مجرى الأمثال السائرة؛ كقوله:
وعادةُ السيف أن يزهى بجوهره ... وليس يعمل إلا في يدي بطل
الحِكَم لذيذة، وأحسنها وقعاً ما صدر على البداهة؛ فإنه أدل على عبقرية الرجل، وكثرة انتفاعه بتجاربه.