في الصحيح: أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليذكر وليرى مكانه، فمن الذي في الجنّة؟ فقال:"من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو الذي في الجنة"، فتلقى تيمورلنك هذا الجواب بالإعجاب، ثم بالسكوت.
وهذا الجواب وإن يكن صريحاً، ولكنه أغنى عن الصراحة، ويمتاز عنها بأنه كان مخلِّصاً للقوم من سطوة ظالم غشوم.
ويمثل ذلك الإفراط في الصراحة: أولئك الذين لا يحكمون سياسة الأمور، ولا يريدون أن الدهاء خصلة محمودة، وإن من الدهاء أن يبقي الرجل بعض آرائه في نفسه، ولا يحرك بها لسانه؛ حيث يرى أن النفوس لم تتهيأ لقبولها، أو أن الحال لا يساعد على إنقاذها.
وليس من الإفراط في الصراحة أن يخشى الرجل في سكوته عن قول الحق، ضياعَ هذا الحق، وظهور الباطل مكانه، فيصدع بكلمة الحق موطنًا نفسه على احتمال ما يلاقيه من أذى، فلا أعدّ القاضي مالكَ بنَ سعيد الفاروقي قد أفرط في الصراحة إذ أمره الحاكم العبيدي بن يكتب سبّ الصحابة على أبواب المساجد، فأبى أن يفعل، وكتب عليها:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة: ١١٧]، ولما قال له الحاكم: هل فعلتَ ما أمرتك به؟ قال: نعم، فعلت ما يرضي الرب -عَزَّ وَجَلَّ-، وقرأ عليه الآية، فأمر بضرب عنقه، فمات شهيداً، وحماه الله من أن تكتب يمينه شيئاً يجر إليه عاراً في الدنيا، وخزياً في الآخرة.
ويمثل لك الطريق المعتدل للصراحة: أولئك الذين يجمعون إلى