الإخلاص والغيرة على الإصلاح روية ودهاء، فالإخلاص والغيرة يمنعانهم من التفريط في الصراحة؛ إذ لا يكون مع الإخلاص والغيرة جبن ولا طمع، ولا إيثار المنافع الشخصية على المنافع العامة، والروية والدهاء يمنعانهم من الإفراط في الصراحة؛ إذ يرون ببصائرهم المضيئة وألمعيتهم المهذبة المواطن التي يكون السكوت عن شيء، أو استعمال الكنايات الخفية، أفضلَ من التصريح به.
ويظهر فضل الصراحة جلياً متى وقع بجانب الكلام المبهم أو المطلي بشيء من المواربة، كما ترى في قصة عمر بن هبيرة والي العراق في عهد يزيد ابن عبد الملك؛ إذ استدعى الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، والشعبي، وقال لهم:"إن يزيد خليفة الله أخذ عهدنا بالسمع والطاعة، وقد ولاني ما ترون، فيكتب لي بالأمر من أمره، فأقلده ما تقلده من ذلك الأمر، فما ترون؟ ".
فقال ابن سيرين والشعبي قولاً فيه تقية.
فأقبل ابن هبيرة على الحسن البصري، وقال له:"ما تقول يا حسن؟ ".
فقال:"يا ابن هبيرة! خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، إن الله يمنعك من يزيد، وإن يزيد لا يمنعك من الله .. حتى قال له .. فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
فموقف الحسن البصري في هذه القصة ظاهر الفضل، وبمقارنته بموقف ابن سيرين والشعبي ازداد فضله ظهوراً.
وإذا اقتضى الحال الصراحة، فإن لها أساليب تختلف باختلاف أحوال المخاطبين، فمن حسن بيان المتكلم أن يراعيها، ويصوغ عبارته في الأسلوب المناسب؛ حتى تأتي الصراحة بثمراتها الطيبة.