على كلمات ألقاها المحاضر كشُبه يحاول بها تقرير تلك الدعوى المضروبة في قالب الخيال.
عرضنا على حضراتكم فيما سلف: أن أول من ألف في فن البيان مستقلاً هو عبد الله بن المعتز، وأنه أورد فيما ألف سبعة عشر نوعاً مما يسمونه: البديع، ثم جاء قدامة، وتكلم فيما كتب على عشرين نوعاً، اشترك مع ابن المعتز في سبعة أنواع، وانفرد عنه بثلاثة عشر نوعاً.
لندع السبعة الأنواع المشتركة في ناحية - وهي: الجناس، والطباق، والالتفات، والتشبيه، والمبالغة، والاستعارة (١)؛ إذ ادعاء أن قدامة أخذها من بيان اليونان لا يقبل في حال. وإذا نظرنا إلى ما انفرد به قدامة، نجده يقتدي فيه بأقوال البلغاء، أو علماء العربية، وإليكم الشاهد على ما نقول:
انفرد قدامة بالنوع الذي يسمّى:(صحة التقسيم)، وهو أن يبتدئ الشاعر أو الخطيب، فيضع أقسامًا، فيستوفيها, ولا يغادر قسمًا منها، وكان هذا النوع معروفاً عند علماء العربية من قبل قدامة، وقد ذكره الجاحظ في حد البلاغة عند اليونان، فقال: وقيل لليوناني: ما البلاغة؟ فقال:"تصحيح الأقسام، واختيار الكلام". ونحن نجد في كتب الأدب ما يدلنا على أن العرب قد عرفوا هذا الوجه من حسن البيان، ومن هذه الدلائل ما يروونه من أن عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - سمع قول زهير:
وإنّ الحق مقطعه ثلاث ... يمين أَو نفار أو جلاء
(١) على أن قدامة لم يتحدث عن الاستعارة في نقد الشعر إلا بقوله في المعاظلة: ولا أراها إلا فاحش الاستعارة.