عليه حين تراه قد اتخذ من المضلين أو المفسدين في الأرض أولياء يطيل التردد على أعتابهم، ويغمس لسانه أينما جلس في إطرائهم، ويجهد نفسه في تمويه باطلهم. والتسامح المعقول: أن لا تؤذي من خالفك في العقيدة، فتنسب إليه زوراً، أو تنفي عنه مكرمةً، أو تهضم له حقاً، أو تنكث له عهداً، أو تخلف له وعداً.
ومن التسامح المقبول: أن تبرّه، وتقسط إليه، وتمد إليه يد التعاون على المصالح المشتركة، وقد حرَّمت الشريعة الإسلامية الإساءة إلى المخالفين الذين لم يخرجونا من ديارنا، ولم يطعنوا في ديننا، ولم يوقدوا نارًا لحربنا، ووردت أحاديث تنهى عن مس الناس بشيء من الأذى، فحمل الفقهاء النهي فيها على وجه يعم المخالفين المقيمين في ظل الإسلام، كما قالوا في حديث:"لا يبعْ بعضكم على بيع أخيه": إن النهي شامل لبيع المسلم على بيع غير المسلم؛ لما ينشأ عن صرف المشتري عنه من تقاطع وشحناء، وأذنت في أن نبرّهم، ونقسط إليهم، قال تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة: ٨].
وقد علّمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نداري من ينتمون إلى الإسلام، ونعاشرهم بالمعروف، وإن عرفنا في لحن أقوالهم أو غيره من الدلائل الخفية أنهم من طائفة المنافقين.
أما الرجل يملك قلماً أو لساناً أو حساماً أو جاهاً، فيصرفه في نقض أساس ما هو دين حق، أو شريعة صالحة، فذلك ما لا يتولاه إلا غبي لا يفرق بين الأعمى والبصير. أو زائغ عن سبيل الرشد فما له من نور. وقد أنكر الله على من يتزلف لأشياع الغي، فقال: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ