جَمِيعًا} [النساء: ١٣٩]، وفي الآية شاهد صدق على أن العزة بيد الله يخلعها على من يغار على الحقائق غير مكترث بمن يناوئونها، وإن كانوا أولي جاه أو سلطان.
فمن الغيرة على الحق: أن تقاوم المبطلين أو المفسدين قاطعًا النظر عن كل صلة وعاطفة، ومن التسامح المقبول: أن تدفعهم بالتي هي أحسن، حتى كأنك لا تعرف شيئاً من شؤونهم غير ما تصديت لمناقشتهم فيه، وذلك ما يستبين به الناس أنك لا تقصد إلا أن تكف بأسهم، وتحمي النفوس من وباء دعايتهم.
تتفاضل الحقائق والمصالح من ناحية ما يتصل بها من خير، فوجود الخالق، أو صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - في رسالته - مثلاً - يقوم على الإيمان به من سعادة الأفراد والأقوام أكثر مما يقوم على الإيمان بعدل أبي بكر، وعمر بن الخطاب؛ وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة يترتب عليها من الفلاح فوق ما يترتب على زيارة أخ، أو عيادة مريض.
وكذلك الغيرة على الحقائق تكون على قدر تفاضلها فيما يترتب عليها من العواقب، فالغيرة الصادقة: أن يتألم الرجل من الجهل على مقام الإلهية، أو الرسالة العظمى أشد مما يتألم للطعن في نفسه، أو في أخ له، أو صديق، ويتألم مسجد، أو إلغاء مدرسة أشد مما يتألم لهدم بيت، أو إهمال حديقة.
بعيد من الغيرة عن الحقائق ذلك الذي يسمع سوء القول في الله أو في رسوله، فلا يجد في نفسه لسماع هذا السفه أثراً، وإذا مُسَّ جانب من يتصل به نسبًا، أو يمد له من متاع هذه الحياة سبباً، هاج غضبه، وارتعدت فرائصه.