الغرض مبنياً على ما هو خارج عن تلك العلوم والصنائع، فإذا كان الغرض مبنياً على وصف أشياء علمية أو صناعية، فإيراد تلك المعاني والعبارات غير معيب في ذلك الغرض، ومما عيب على "أبي تمام" قوله:
مودة ذهبٌ أثمارها شبه ... وهمةٌ جوهر معروفها عرضُ
لأن الجوهر والعرض من ألفاظ المتكلمين الخاصة بهم، وكقول "أبي العلاء المعري":
تلاق تفري عن فراق تذمه ... مآق وتكسير الصحائح في الجمع
وحكي أن "عزّ الدولة" قال لندمائه: "لينشدني كل واحد منكم أغزل ما يعرفه من الشعر"، فأنشد كل منهم ما حضره، فلما انتهى القول إلى "أبي الخطاب بن ثابت الصابي" وكان أبوه طبيباً أنشد:
قال لي أحمدٌ ولم يدر ما بي ... أتحبُّ الغداةَ عتبةَ حقا
فتنفست، ثم قلت: نعم حـ ... ـباً جرى في العروق عرقاً فعرقا
فقال له بعضهم:"لا تخرج بنا يا أبا الخطاب عن صناعة الطب التي لم ترثها عن كلالة".
وكان بعض الأدباء إذا سمع قول "المهلبي":
"يا من له رتب ممكنة القواعد"
قال:"هذا يصلح أن يكون شعر بناء"، وعندي أن المراسلات الخصوصية يحسن فيها ملاحظة القصص المستظرفة، وإن لم تكن مشتهرة، كما يحسن فيها إيراد المعاني العلمية، وعدَّ أهل البديع للتلميح لها من الحسنات رعاية لهذا المقام، ومما يُعاب به الشاعر إيراد المعاني الكثيرة في