للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البيت الواحد لما فيه من التعقيد على الفهم، قال "ابن خلدون": "كان شيوخنا يعيبون شعر أبي بكر بن خفاجة شاعر شرق الأندلس، لكثرة معانيه وازدحامها في البيت الواحد، كما كانوا يعيبون شعر المتنبي والمعري بعدم النسج على الأساليب العربية".

ولما أكثر "مسلم بن الوليد" و"أبو تمام" من استعمال المحسنات، بَعُدَ شعرهما عن الانسجام وسهولة المأخذ، وأخذ الشعر من ذلك العهد هيئة غير هيئته العربية، حتى إنَّ فحول الشعراء إذ ذاك كانوا يقولون: "قد أفسد هؤلاء الشعر بذلك الشيء الذي يسمونه البديع".

وكما يجب تجنب المعقد والحوشي من الألفاظ، ينبغي التحفظ من السوقي المبتذل، فإنه ينزل بالكلام عن طبقة البلاغة أيضاً، ويخدش وجه مَلَكة الفصاحة ويفسدها على صاحبها، وما على الفصيح إلا أن يقصد من التراكيب ما كانت معانيه تسابق ألفاظه إلى الفهم بالنسبة للأواسط الذين لهم إلمام باللغة العربية، ولا تستنزله عن هذه الرتبة لومة لائم ليس له من اللغة إلا القدر الذي تتلقفه ألسنة العامة، فمن أسباب تلاشي اللغة واندراس أطلالها، تنازل فصائحها إلى استعمال الألفاظ العامية الساقطة.

وحقيق على علماء التدريس أن يكونوا على نسق واحد في التزامهم عند إلقاء دروسهم محاذاة الأساليب العربية، فإنه ضرب من التطبيق للقواعد التي يلقنها التلميذ، وبذلك تتقوى عارضته، ويتسع مجاله في التعبير عما في ضميره بألفاظ متمكنة في البيان؛ لأن السمع أبو الملكات اللسانية.