نزل القرآن لإفادة هذه المعاني التي تقرر بها حقائق الدين القويم، وأوردها في آيات يلابسها من لطائف المعاني وروعة النظم ما يساعد على وقوعها في النفوس المستعدة لإدراك الحقائق موقعَ الإجلال والإعجاب. ولهذه اللطائف من المعاني والروعة الخاصة بنظمه العربي أثر عظيم في تكوين حقيقة قرآنيته، وبها تمَّ شطر من المهمة التي نزل لتحقيقها، وهو الإعجاز، فهو الكتاب الوحيد الذي ينطق بالدعوة، والحجةِ على صدقها في كلام واحد.
فالباحث في صحة ترجمة القرآن ينظر إلى ناحيتين: المعاني الثانوية التي تمَّ بها الإعجاز، والمعاني الأصلية التي تحصل من مجرد إسناد فعل إلى فاعل، أو خبر إلى مبتدأ.
* المعاني الثانوية:
ليس بالمستطاع أن تُنقل إلى لغة أجنبية المعاني الأصلية، وهي محفوفة بالمعاني التي هي مظهر بلاغة القرآن، والناهضة بقسط عظيم من بينات إعجازه.
وممن نبَّه على هذا في القديم: أبو القاسم الزمخشري في "كشافه" إذ قال: "إن في كلام العرب -خصوصاً القرآن- من لطائف المعاني ما لا يستقل بأدائه لسان".
ولا يسهل على أحد ادعاءُ أن في اللغات المعروفة اليوم، ما يسع نقل معاني القرآن الأصلية، مع ما يلابسها من أسرار المعاني التي يسميها البلغاء: خواص التراكيب.