حق ما يقول الكواكبي، ثم ما يقول المؤلف من أن الإسلام يرفع همم أتباعه، ويزكي نفوسهم من الخضوع إلى رجل منهم، أو من غيرهم، متى حاول اضطهادهم أو العبث بحقوقهم.
أما إذا عرفوا من الرئيس المسلم عدلاً واستقامةً، فإنهم يبذلون له حسن الطاعة، ويمحضون له النصيحة، ويكون صعوده على عرش الخلافة برضا واختيار منهم، وليس في هذا غضاضة على ما أُشربوه في قلوبهم من مبادئ الحرية والمساواة، وإخلاص العبودية لله، فإن الذي لقنهم الحرية والمساواة، وأمرهم بالإخلاص في توحيده، هو الذي قال لهم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء: ٥٩].
ثم إن الرعية التي كان يسوسها عمر بن الخطاب، أو عمر بن عبد العزيز كانت تمد رقابها إلى أميرها طائعة، ولم تفقد شيئاً من حريتها، ولا إخلاص العبادة لخالقها.
قال المؤلف في (ص ٢٨): "إنما الذي يعنينا في هذا المقام: هو أن نقرر لك: أن ارتكاز الخلافة على القوة حقيقة واقعة، لا ريب فيها. وسيان بعد ذلك أن يكون هذا الواقع المحسوس جارياً على نواميس العقل، أم لا، وموافقاً لأحكام الدين، أم لا".
ملأ المؤلف آذاننا بكلام يدور على أن الخلافة والملك لم يرتكزا إلا على القوة والرهبة، ثم انقلب إلى حرفة التشكيك، الذي آلى على نفسه أن لا يخرج بنا من بحث حتى يحاول أن يفتننا به مرة أو مرتين.
ونحن نلفت النظر عن الرأي المطوي في صدر المؤلف، ونلقي الكلمة الفاصلة فنقول: إن ارتكاز البيعة على القوة والسلطان، دون أن يكون لأهل