والفرق بين الملكية والاستبدادية: أن الأولى تكون السلطة فيها بيد فرد يحكم بمقتضى قوانين مقررة، والأخرى لا يرتبط الحاكم فيها بقانون ولا عُرف، بل يدير زمامها على ما يشاء ويهوى. فالملكية عند (منتسكيو) تخالف الاستبدادية.
فالواجب إذاً على المؤلف أن يبين ماذا يريد من الملك؛ فإن الحكومة التي يرأسها فرد إذا كانت تعمل على طريق الحزم والشريعة العادلة، لم نجد في مبادئ الإسلام ما يمنع من الإذعان لها، والنصح في مؤازرتها.
قال المؤلف في (ص ٢٧): "من الطبيعي في أولئك المسلمين الذين يدينون بالحرية رأياً، وشملكون مذاهبها عملاً، ويأنفون الخضوع إلا لله رب العالمين، ويناجون ربهم بذلك الاعتقاد في كل يوم سبع عشرة مرة على الأقل، في خمسة أوقاتهم للصلاة، من الطبيعي في أولئك الأباة الأحرار أن يأنفوا الخضوع لرجل منهم أو من غيرهم، ذلك الخضوع الذي يطالب به الملوك رعيتهم، إلا خضوعاً للقوة، ونزولاً على حكم السيف القاهر".
يقول الكواكبي في "طبائع الاستبداد"(١): "بني الإسلام، بل كافة الأديان على: لا إله إلا الله، ومعنى ذلك: أنه لا يعبد حقا سواه؛ أي: سوى الصانع الأعظم، ومعنى العبادة: التذلل والخضوع، فيكون معنى لا إله إلا الله: لا يستحق التذلل والخضوع شيء غير الله، فهل -والحالة هذه- يناسب المستبدين أن يعلم عبيدهم ذلك، ويعملوا بمقتضاه؟ كلا ثم كلا ... ولهذا ما انتشر نور التوحيد في أمة قط إلا وتكسرت بها قيود الأسر".
(١) عبد الرحمن بن أحمد الكواكبي (١٢٦٥ - ١٣٢٠ هـ = ١٨٤٩ - ١٩٠٢ م) كاتب وأديب، ولد في حلب، وتوفي بالقاهرة.