تعديل الرأي وتنقيحه يتعين العمل بما هو أصلح في الردع، وأنفى لوباء الفتنة.
فمن المحاربين من لا يقاتل بنفسه، ولكن له دهاء ومهارة في المكر والتدبير؛ بحيث يستطيع حيلة أن يؤلف الجموع، ويثير غبار الفتنة، فهذا يجب قتله، فإن كان للمبالغة في إشهار العقوبة وإيقاعها بمكان تشخص فيه الأبصار تأثير نافع في ردع العابثين وإرهابهم، جمع بين صلبه وقتله.
ومنهم من لا رأي له ولا تدبير، وإنما يقطع السبيل بقوة بدنه، وشدة بطشه، فهذا يقطع من خلاف؛ ليكف شرّ يده التي يبطش بها، ورجله التي يفتن عليها.
وأما من يعلم حاله العفاف، وإنما صدر منه ذلك على وجه الفلتة، والمساعدة لغيره، مع توقع الندم منه، فهذا حكمه النفي، ولا يسوغ قتله ولا قطعه.
وإنما كانت عقوبة المحارب أشد من عقوبة السارق؛ لأن الحرب أعظم مفسدة، وأوسع خرقاً في النظام؛ لإفضائها إلى انتهاب الأموال، وسفك الدماء عند المدافعة عنها؛ إذ يسوغ لصاحب المال المدافعة عن ماله بما يملك من الاستطاعة، كثيراً كان المال أو يسيراً، وله أن يقاتل بعد الإنذار والموعظة إذا لم يجد للدفاع طريقاً سوى القتال.
وجعل الإمام الشافعي - رضي الله عنه - أنواع العقاب المقررة في الآية مرتبة على حسب حال اختلاف المحاربين بالنظر إلى ما صنعوه، فقال إذا قَتَلَ المحارب، ولم يأخذ مالاً، قُتل، وإن أخذ المال، وقتلَ، وجب قتله وصلبه، وإن أخذ المال، ولم يقتل، قطع من خلاف، والنفي والحبس فيمن لم يبلغ جرمه إلى