المتنافسون في كونها مشروعة أو غير مشروعة، والأخذ في نيلها بالطرق المشروعة خصلة مالوفة، وسعي لا بأس به، وفي العرب من وضعت مقاليد السياسة في يده دون أن يبذل في سبيلها درهما، أو ينتضي حسامًا، وذلك شأن الخلفاء الراشدين، فإن أردت أن تجعل لأبي بكر الصديق، أو علي بن أبي طالب سيفًا مسلولًا، فإنما هو الدفاع عن نظام الأمة، أو عن تلك الرياسة التي تدير شؤونها بحكمة وعدالة، والواقع أن هذا الضرب من التأثر بالسياسة لم يكن له في عهد الخلافة الرشيدة مظهر، وهو العهد الذي يمثل روح الإسلام، وينطبق على مبادئه من كل ناحية.
تتأثر الأمة بالسياسة على معنى: أن يبالغ القابضون على سياستها في التعرض لشؤون الأفراد، واستعمالهم فيما يعود على ولايتهم بالبقاء، ولو بغير حق، ومن طبيعة السياسة المستبدة أن يتزلف لها الناس بالملق رهبة من بطشتها، أو رغبة في أن ينالهم قسط من سرفها. وهذا المعنى لا يستطيع المؤلف أن يصف به العرب لعهد الخلفاء الراشدين، أو من ساروا على مبادئ الإسلام بإطلاق؛ كعمر بن عبد العزيز. وقد وجد هذا الضرب من التأثر بالسياسة في كثير من الدول التي تجعل دينها الرسمي الإسلام، عرباً كانوا أو غير عرب، كما يوجد في غير المسلمين، حتى الأمم التي يملأ المؤلف قلبه بإجلالها، فإننا نرى سياستها تستعمل أقلامًا في تغيير تاريخ بعض الأمم، وفك عرا وحدتها، وقلب أخلاقها وجميع مميزاتها إلى ما يجعلها تحت تلك السياسة كالأنعام أو أضلّ سبيلاً.
أما تأثر العرب بالدين، فلأن الإسلام عقيدة وآداب، وشريعة وسياسة، وقد أخذ العرب في يقينهم صحة تلك العقائد، ووضاعة تلك الآداب، وعدالة