وقال في وصف الأنصار:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر: ٩].
فالعصبية تضعف بقوة ذينك العاملين، وتقوى بضعفهما.
وفي كل أمة نفوس لا تقبل الأدب، أو لا تأخذها السياسة العادلة إلى حسن الطاعة، فلا غنى لأولي الأمر من أن يضبطوا سياستهم بالحزم، وكذلك كان الخلفاء الراشدون يشربون سياستهم من العزم والاحتراس بمقدار ما يقتضيه حال الأمة، حتى أواخر عهد الخليفة الثالث، وقد أصبح لينه أكثر من لين الخليفتين قبله، فانتهز عبد الله بن سبأ اليهودي ذلك اللين فرصة، وسعى في طائفة وقعت في مكيدته إلى فتنة يوقدونها باسم الدين تارة، وباسم السياسة تارة أخرى، حتى نزلوا وأراقوا دم الخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه -.
كان قتل هذا الشيخ البريء من عصبية بني أمية سبباً لإذكاء هذه العصبية، ولكن حرصهم على الخلافة، وأخذهم بمقاليدها، جعلهم يكتمون أنفاس هذه العصبية في كثير من صروف سياستهم، ولعلك لا تستطيع أن ترى لها مظهراً إلا حيث يلمحون يداً تعمل على تقويض سلطانهم.
فعصبية بني أمية كانت فاسقة عن أمر الإسلام من ناحية، ومغلوبة لسلطانه من ناحية أخرى، وهذا ما ساعدها على أن تبلغ من العمر ما لا تبلغه