للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"فكتب معاوية إلى مروان أن يؤدبهما، وكانا قد تقاذفا، فضرب عبد الرحمن ثمانين، وضرب أخاه عشرين، فقيل لابن حسان: قد أمكنك من مروان ما تريد، فأشد بذكره، وارفعه إلى معاوية، فقال: إذاً والله! لا أفعل، وقد حدني كما تحد الرجال الأحرار، وجعل أخاه كنصف عبد. فأوجعه بهذا القول".

لا ينكر أحد أن الحمية المتطرفة ظهرت في عهد بني أمية، ولا يسلم أحد أنها بلغت بالعرب إلى مثل ما كانوا عليه من جاهليتهم، فضلاً عن أن يكون شراً منه، وهذا المؤلف يحكي أن معاوية لم يحد عن مبدأ المساواة حين أمر بتأديب القرشي والأنصاري، وحين أمر عامله بأن يضرب أخاه الأموي مقدار ما ضرب ابن حسان، وهل يستطيع المؤلف أن يقيم لنا شاهداً على أن عصبية قريش أو الأمويين في الإسلام بلغت عُشر عصبية هذه الدول أو الأمم التي يود أن يكون له في جوفه قلب آخر يملؤه باحترامها، ورأس ثان يهوي به ساجداً لعظمتها!.

إن من هذه الأمم، أو الدول القابضة على شمال أفريقية من يعتدي على حياة الوطني، ولا يقضى عليه ولو بالسجن بضعة أيام، وإذا أنعمت النظر في عصبية هذه الدول أو الأمم، وقايسته بعصبية قريش الخارجة عن حد الاعتدال، وجدت بين العصبيتين فرقاً يكاد يشبه الفرق بين الحرية والاستبداد، أو العدالة والاضطهاد. وقد كانت عصبية الجاهلية تشبه في شدتها وآثارها عصبية هذه الأمم التي يقدس لها المؤلف، ولا تمتاز عنها بشيء إلا أنها كانت تخرج في غير نظام، بل رأينا سبعين مرة كيف تحمى عصبية المدنية، ويتخبطها الغضب، فتظهر في خلقتها الشوهاء، وتصبح أشبه بعصبية الجاهلية