وهو العصبية المشتدة بين قريش والأنصار، فمعاوية أمر بعقوبة الشاعرين: القرشي، والأنصاري، وسعيد بن العاص لم يجر العقوبة على واحد منهما، ومروان قد يكون انتقم لعبد الرحمن بن الحكم من جهة كونه ابن أبيه الحكم، لا من جهة أنه من قريش، وقد يفعل مثل هذا من يكون خالي الذهن من معنى التعصب للقبيلة، وشكاية عبد الرحمن إلى ابن بشير من قبيل الالتجاء إلى ذي وجاهة وقربى؛ ليرفع عنه مظلمة، وخطاب النعمان بن بشير لمعاوية عرض لقضية اضطهد فيها مروان عامله رجلاً من الأنصار، وإن سمّي مثل هذا تعصبًا، فهو من نوع التعصب المقبول، وقد انتهت الرواية بأن معاوية كتب إلى مروان بتنفيذ أمره في عبد الرحمن بن الحكم، فنفذه، ولم يعص له أمراً.
وفي الأبيات التي قيل: إن النعمان خاطب بها معاوية، ذكر ليومي بدر وفتح مكة، وإراءته الأنصار في كثرة عدد، وعزّة جانب، ولا حرج في رفع الشكاية بهذا الأسلوب إذا ألجأ إليه حال الدفاع، ولم يرتجف له قلب السياسة حمقاً، وتجنّ له يدها بطشاً.
ومن المحتمل القريب أن تكون قصة تهاجي ابن الحكم وابن حسان قصيرة ذات لون واحد، فأصبحت في كتاب "الأغاني" ذات ذيول وألوان مختلفة، وزادها المؤلف بتصرفه أصباغًا غريبة، وقد أوردها المبرّد في "الكامل"(١) بلون واحد، وجمل لا تشير إلى قصيدتي ابن حسان وابن بشير، فساق ثلاثة أبيات لابن حسان يهجو بها عبد الرحمن بن الحكم، ثم قال: