وعبد الرحمن بن حسان، فملأ نحو صحيفتين بحكاية بعث معاوية إلى سعيد ابن العاص يأمره بضرب كل واحد من الشاعرين مئة سوط جزاء تهاجيهما، وتعطيل سعيد أمر معاوية إلى أن خلفه مروان بن الحكم، فنفذ الأمر في عبد الرحمن بن حسان دون أخيه، وأبيات كتب بها عبد الرحمن بن حسان إلى النعمان بن بشير يشكوه فيها ما صنع مروان، وقصيدة النعمان التي خاطب بها معاوية في هذا الشأن، وبعث معاوية إلى مروان بتنفيذ أمره في أخيه عبد الرحمن بن الحكم أيضاً.
ثم قال في (ص ٦٤): "ولقد يستطيع الكاتب في التاريخ السياسي أن يضع كتاباً خاصاً في هذه العصبية بين قريش والأنصار، وما كان لهما من التأثير في حياة المسلمين أيام بني أمية، لا نقول: في المدينة ومكة ودمشق، بل نقول: في مصر وإفريقيا والأندلس. ويستطيع الكاتب في تاريخ الأدب أن يضع سفرًا مستقلاً فيما كان لهذه العصبية بين قريش والأنصار من التأثير في شعر الفريقين الذي قالوه في الإسلام، وفي الشعر الذي انتحله الفريقان على شعرائهما في الجاهلية".
لا جناح على الرجل يعطف على قبيلته، ويحرص على أن يكون لهم مجد، وأن يكون لهذا المجد ذكر سائر، فهذا أمر تنساق إليه النفس بفطرتها، وقد قلنا: إن هذه الخصلة متى سارت على منهج الاعتدال، فحملت صاحبها على القيام بمصالح عشيرته، أو ذكر مآثرهم الحميدة، دون أن يتعرض لغيرهم بسوء، لا تعد من الحمية الممقوتة، ولا العصبية التي يريد الإسلام محوها.
وليس في تلك القصة على طولها وعرضها ما يقع في عين الموضوع،