صاروا بعد ذلك العهد يكتفون بالصلاة، ويدعون سماع الخطبة، كما قال مروان معتذرًا لأبي سعيد الخدري:"إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة". وقد خالفه الصحابة والأئمة من بعدهم في ترك هذه السنّة؛ لأنهم رأوا أن هذا تصرف في أمر من قبيل العبادات التي يجب أن تقام كما وردت عن الشارع، على أن مفسدة خروج الناس قبل سماع الخطبة يمكن درؤها بوعظهم وإرشادهم إلى البقاء بالمسجد حتى انتهائها، وقد حضرت صلاة العيد في السنة الماضية بأحد المساجد الكبيرة في القاهرة، فوقف الإِمام قبل الصلاة، وذكر الحاضرين بعدم الخروج قبل انقضاء الخطبة، فامتثلوا.
فالتفقه في الكتاب والسنّة على النحو الذي يحفظ الحقوق، ويسير بالأمة في أهدى سبل المدنية إنما يستطيعه من امتلاً بعلوم القرآن والحديث، وخاض في حكمة التشريع، وعرف مقاصد الشارع، وقدر المصالح والمفاسد بميزانها الصحيح.