للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن تيسر له أن يدرس ما فصلته الشريعة من أحكام محكمة - وهي فيما يرى أقل مما شرعته في ضمن أصول وقواعد- عزّ أن يجد فيها حكماً يتعلق بواقعة يختلف حالها باختلاف الزمان والمكان، وإذا وجد العالم الراسخ في فهم مقاصد الشريعة واقعة علّق عليها الشارع حكماً، ثم تغير حالها إلى حال تقتضي تغير الحكم اقتضاء ظاهراً، كان له أن يرجع بها إلى أصول الشريعة القاطعة، ويقتبس لها من هذه الأصول حكماً يطابقها، ومثال هذا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن منع النساء من الخروج إلى المساجد، فإذا نظر المجتهد إلى علة النهي عن منعهن، وجدها المحافظة على مصلحة المرأة من سعيها إلى المسجد، وحضورها صلاة الجماعة، وانتفاعها بما تسمع من قرآن أو خطبة، ولم يكن في خروجها لعهده - عليه الصلاة والسلام - مفسدة تستدعي المنع، فإذا جاء عهد يكثر فيه تعرض السفلة من الرجال للنساء، وحدثت وقائع تدل على أن سلطان الدين أصبح ضعيف الأثر في نفوس هؤلاء وهؤلاء، فقد أخذت واقعة خروج المرأة إلى المسجد حالاً غير الحال التي كانت عليه في زمن النبوة، وانضم إلى مصلحة خروجها مفسدة، فللمجتهد أن ينظر في هذه المفسدة، ويقيسها بالمصلحة؛ ليعلم أيهما أرجح وزناً، ثم يرجع بالواقعة إلى أصول الشريعة، ويستنبط لها حكماً يراعي فيه حالتها الطارئة.

وربما نظر الفقيه في مثل هذه نظرة مستعجل، فيخطئ المرمى، وهذا ما جرى لمروان بن الحكم حين قدّم خطبة العيد على الصلاة؛ نظراً إلى أن الناس كانوا في عهد النبوة والخلافة الرشيدة يجلسون بعد صلاة العيد لسماع الخطبة، فلم يكن في تقديم الصلاة على الخطبة من بأس، ولكنهم