النحو إلا لأن رسالة المبعوث بها عامة؛ كما قال الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[سبا: ٢٨].
ونحن نعلم أن الألفاظ وضعت للدلالة على ما في النفس، فمتى أتى المتكلم بلفظ شأنه أن يدل على ما في نفسه، وششبين منه المخاطبون قصده، وقف عنده، سواء كانت دلالته بالمنطوق، أو المفهوم، أو بمقتضى المعنى، أو بقرينة حال، أو عادة مطردة.
ويكفي في الخطاب الموجه إلى الناس كافة أن يفهمه القوم المستنيرون منهم، وهم الذين يبلّغون سائر الطبقات ما فيه من أحكام وحكمة. وإذا كان هذا شأن المتكلم بلغة العرب، بل شأن المتكلمين بألسنة غيرها فيما يظهر، فمن حكمة الشريعة العامة الخالدة أن تسلكه في إرشادها، وفيما تسنّه من أحكام لا تنقضي وقائعها.
والأصول التي نريد البحث عنها في هذا المقام هي: القياس، والاستصحاب، ومراعاة العرف، وسد الذرائع، والمصالح المرسلة، والاستحسان:
* القياس:
حقق علماء الإِسلام أن لكل حكم شرعي حكمة تلائم شرعه، ومرجع الحكمة إلى رعاية المصالح والمفاسد، وقد قرر المحققون؛ كأبي إسحاق الشاطبي، وغيره: أن أحكامه تعالى معللة بمصالح العباد، وهذا معروف باستقراء موارد الشريعة؛ كقوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ}[البقرة: ١٧٩]. وقوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ