للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَطَرًا} [الأحزاب: ٣٧] وقوله - صلى الله عليه وسلم - في وجه طهارة الهرة: "إنها هي من الطوافين عليكم والطوافات"، وقوله في وجه منع بيع الثمرة قبل بدوِّ صلاحها: "أرأيت إذا منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟! ".

وإذا كانت الأحكام المنصوص عليها قائمة على رعاية المصالح، فإذا قرر الشارع للواقعة حكماً، ونبَّه في الآية أوالحديث على وجه المصلحة المناسبة لتقريره، أو كان ذلك الوجه ظاهراً ظهوراً لا تحوم عليه شبهة، صحَّ للمجتهد أن يعمد إلى كل واقعة تحقق فيها ذلك الوجه من المصلحة، ويسوِّي بينها وبين الواقعة المنصوص عليها فيما علّقه عليها الشارع من حكم، وذلك ما نسميه بالقياس.

فالقياس: أن يعمد المجتهد إلى حكم أمر معلوم، فيثبته لأمر آخر؛ لاشتراك الأمرين في علة الحكم. ومثال هذا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يتناجى اثنان دون واحد"، وعلة هذا النهي: أن الاثنين إذا تناجيا دون رفيقهما، قد يقع في نفسه أن حديثهما في شأنه، ويحدث له من الظنون ما يكدر صفو الإخاء بينهم. وللفقيه متى اطمأن إلى هذه العلة أن يقرر حرمة محادثة اثنين بلسان لا يعرفه الثالث متى كانا يحسنان لساناً لا يعرفه رفيقهما؛ لأن علة النهي متحققة في هذه الصورة تحققها في المناجاة.

فأي عالم يتلو قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِوَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩]، ولا يفهم أن علة الأمر بترك البيع عند النداء للصلاة كونه شاغلاً عن أدائها؟ وهذه العلة موجودة في غير البيع؛ نحو: الإجارة بلا فارق، فيصح إلحاقها بالبيع في منعها عند النداء لصلاة الجمعة.