وأي عالم يسمع قوله - عليه الصلاة والسلام -: "لا يبيع بعضكم على بيع بعض"، ولا يفهم أن علة النهي: ما يحدثه هذا البيع من التقاطع والعداء، ثم ينتقل بوسيلة العلة إلى حرمة استئجاره على إجارته؟
وإنما جعلنا القياس في صدر البحث من نوع دلالة اللفظ بالمعقول؛ لأن اللفظ إذا دل بمقتضى وضعه على حكم واقعة، وعرفت علة الحكم؛ فإن العقل متى وجد هذه العلة متحققة في واقعة أخرى، أدرك أن حكمها حكم الأولى، نظراً إلى أن الشارع يسوّي بين الواقعتين حيث اشتركتا في الوصف المؤثر في الحكم، وتماثلتا فيه من كل وجه.
فالقياس أصل من أصول الشريعة، وبه اتسع نطاقها، وصارت تتناول من الوقائع مالا يتناهى.
قال الإمام أحمد بن حنبل: لا يستغني أحد عن القياس.
وقال إبراهيم النخعي: ما كل شيء نسأل عنه نحفظه، ولكنَّا نعرف الشيء بالشيء، ونقيس الشيء بالشيء.
وقال الشعبيّ: إنا نأخذ في زكاة البقر فيما زاد على الأربعين بالمقاييس.
وقال المزني: الفقهاء من عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم، قال: وأجمعوا أن نظير الحق حق، ونظير الباطل باطل.
وقال ابن عقيل الحنبلي: قد بلغ التواتر المعنوي عن الصحابة باستعمال القياس، وهو قطعي.
وحقق أبو إسحاق الشاطبي أن أصل العادات (١) الالتفات إلى المعنى؛