أحدهما: الاستقراء، فقال: إنا وجدنا الشارع قاصدًا لمصالح العباد، والأحكام العادية تدور معها حيثما دارت، فترى الشيء الواحد يمنع في حال لا تكون فيه مصلحة، فإذا كانت فيه مصلحة جاز.
ثانيهما: أن الشارع توسع في بيان العلل والحكم في تشريع باب العادات، وأكثر ما علل بالمناسب الذي إذا عرض على المعقول، تلقته بالقبول، ثم قال: ففهمنا من ذلك: أن الشارع قصد منها اتباع المعاني، لا الوقوف على النصوص.
جرى العمل بالقياس لعهد الصحابة - رضي الله عنهم -، ثم التابعين، وظهر العمل عليه في العراق لعهد الإِمام أبي حنيفة وأصحابه أكثر من ظهوره في الحجاز، فاستكثروا منه، وبرعوا فيه، وما زال الناس يأخذون بالقياس إذا لم يجدوا في الواقعة نصاً، حتى جاء إبراهيم بن سيار النظام المتوفى سنة ٢٢١، فأحدث القول بإنكار القياس زاعماً الاستغناء عنه بالنظر إلى ما يدعونه من وصف الفعل بالحسن أو القبح الذاتيين.
قال أبو القاسم عبيد بن عمر في كتاب "القياس": ما علمت أن أحداً من البصريين ولا غيرهم ممن له نباهة سبق إبراهيم بن سيار النظام إلى القول بنفي القياس والاجتهاد، ولم يلتفت إليه الجمهور، وممن خالفه في ذلك فريق من زعماء المعتزلة؛ كأبي الهذيل، وبشر بن المعتمر، وبشر المريسي.
وظهر بعد هذا داود بن علي الأصبهاني المتوفى سنة ٢٧٠، ونشأ بظهوره مذهب الظاهرية، وروي عنه: أنه كان ينكر القياس، إلا أن يكون جلياً، وهو ما يكون المقيس فيه أولى بالحكم من المقيس عليه؛ كتحريم ضرب الوالدين