قياسًا على التأفيف الثابتة حرمته في قوله تعالى:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا}[الإسراء: ٢٣]. أو مساويًا؛ كحرمة إتلاف مال اليتيم باللبس قياسًا على أكله الثابتة حرمته بقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[النساء: ١٠]. وهذان النوعان يسميهما الأصوليون: مفهوم الموافقة. وأجاز بعضهم القياس الذي وقع النص على علته خاصة، وأنكروا ما كانت علته مستنبطة.
وجاء بعد هؤلاء أبو محمد علي بن حزم الأندلسي المتوفى سنة ٤٥٦، فوقف في جمود، وأنكر أن تكون أحكام الشريعة معللة، وبنى على هذا الرأي الجامد. إنكار القياس جملة، ولم يفرق بين جليّ وخفيّ، وبين ما كانت علته منصوصة، وما كانت علته مستنبطة، قال في كتابه "الأحكام": ذهب أهل الظاهر إلى إبطال القياس جملة، وهو الذي ندين الله به، والقول بالعلل باطل" وقال: "لا يشرع الله شيئاً من الأحكام لعلة أصلًا، فإذا نص الله تعالى، أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - على أن أمر كذا بسبب كذا، أو من أجل كذا، أو لأنه كان كذا، فعندي أنه جعل ذلك سبباً للشيء في ذلك الموضع خاصة، ولا توجب تلك الأسباب شيئاً من تلك الأحكام في غير تلك المواضع البتة" وأغلظ القول على القائلين بالقياس، وحمل عليهم حملة جافية.
والناظر في الشريعة بتدبر، القائم على سير الأئمة المجتهدين بيقظة، يدرك أن ابن حزم سار في غير سبيل، واعتمد على غير دليل.
تحدث أبو بكر بن العربي في كتاب "العارضة" عن طائفة الظاهرية، وقال: وغُرّ بهم رجل كان عندنا يقال له: ابن حزم، انتدب لإبطال النظر، وسدِّ سبل العبر، ونسب نفسه إلى الظاهر اقتداءً بداود وأشياعه، واعتمد