ثم أورد القاضي أبو بكر أبياتاً في الرد عليه، ومما يقول في الأبيات:
إنَّ الظواهر معدودُ مواقعها ... فكيف تحصي بيانَ الحكم في البشر
فالظاهريةُ في بطلانِ قولهم ... كالباطنية غير الفرق في الصور
كلاهما هادم للدين من جهة ... والمقطع العدل موقوف على النظر
هذي الصحابة تستمري خواطرها ... ولا تخاف عليها غرة الخطر
وتعمل الرأي مضبوطاً مآخذه ... وتخرج الحق محفوظاً من الأثر
بالغ ابن حزم في إنكار القياس وجحوده أن تكون أحكام الشريعة معللة، وادعى أن نصوص الشريعة وافية بكل ما يحتاج إليه من أحكام، وقد خرج بهذه النزعة عن طريقة السلف، ولم يرتضها منه المحققون من الخلف، وجمهور أهل العلم يتمسكون بأصل القياس، وإن كانوا يختلفون في بعض ضروبه، وهؤلاء اختلفوا في تقدير الأحكام المستفادة من النصوص، فمنهم من يراها قليلة بالنسبة لما يؤخذ من طريق الأقيسة، حتى قال إمام الحرمين: إن النصوص لا تفي بعشر معشار الشريعة، وسائرها مأخوذ من طريق القياس.
وقال قوم منهم ابن تيمية: إن النصوص وافية بمعظم أحكام العباد، والبقية مشروعة على طريق القياس.
وقد يكون اختلافهم في هذا التقرير راجعاً إلى اختلافهم في فهم النصوص، وفيما تتناول من معان، فبعضهم لا يتعدى في تفسير اللفظ صورة واحدة، وغيره يذهب في تأويله إلى معنى واسع، ويجعله شاملاً لصور شتى، فالخمر المحرّمة بالكتاب - مثلاً - يحملها بعضهم على عصير العنب خاصة، وعليه فما لا يكون من عصير العنب من المسكرات، يرجع في حرمته إلى