للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في هذه الأحوال أن يضع الخصمين من نفسه في درجة واحدة إلى أن يفصل في القضية بما أراه الله من الحق.

تلك العواطف التي تثور في القاضي حال النظر في القضية، هي في حكم المعفو عنه، إلا أن يكون لها في رجحان أحد الخصمين على الآخر أثر غير ما تقتضيه البينة وأصول الحكم.

شأن تلك العواطف أن تجاذب القاضي، وتناجيه أن ينحو بالحكم نحو منفعة المعطوف عليه، وعلى قدر العطف تكون هذه المجاذبة والمناجاة، ومتى قويتا في نفس لا تخاف مقام ربِّها، ولم تكن على بصيرة مما في لباس العدل من زينة وفخار، نبذت الحق وراء ظهرها، وانحدرت مع عاطفتها إلى هاوية الظلم، وما هاوية الظلم إلا حفرة من النار.

هذه العواطف التي تجاذب القاضي وتناجيه أن يرضي خصمًا بعينه، تجعل العدل في القضاء من قبيل ما يثقل على النفس، ويجمح عنه الطبع، فكان من حكمة الدعوة الإسلامية أن تعنى به عناية ضافية، وتدخل إلى الترغيب فيه من أبواب متعددة.

عنيت الشريعة بالعدل في القضاء بكل ما هو دعامة لسعادة الحياة، فأتت فيه بالعظات البالغات، تبشر من أقامه بعلو المنزلة، وحسن العاقبة، وتنذر من انحرف عنه بسوء المنقلب، وعذاب الهون.

فمن الآيات المنبهة لما في العدل من فضل وكرامة: قوله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: ٤٢]، فقد أمر بالعدل، ونبّه على أن خيراً عظيماً ينال الحاكم بالقسط: هو محبة الله له، وما بعد محبة الله إلا الحياة الطيبة في الدنيا، والعيشة الراضية في الأخرى.