للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشعب وجهتهم في الحياة، فكل معنى يدعو لصاحبه ما هو ألصق، بميله،

وأقرب إلى عمله.

وإيضاح هذا الجواب: أن توالي المعاني يختلف باختلاف الأشخاص لأحد سببين:

الأول: أن الدواعي والعواطف النفسية لها مدخل في تجاذب المعاني واسترسالها على الخيال، فالطمع أو الحاجة أو الرهبة- مثلاً - تستدعي المعاني العائدة إلى المديح أو الاستعطاف، والغرام يستدعي المعاني الغزلية، والكآبة والأسف يستدعيان معاني الرثاء أو الشكوى، والسرور يستدعي المعاني اللائقة بالتهمئة، والإعجاب بالنفس أو العشيرة يستدعي معاني الفخر والحماسة، فالزاهد في الدنيا لا يسع خياله من معاني الإطراء والملق ما يسعه خيال الحريص عليها، والخالي من عاطفة الغرام لا يخطر على قلبه من معاني التشبيب ما يخطر على قلب الشجي المستهام.

الثاني: ما يتفق للإنسان في طرز حياته، وهو حال المحيط الذي يتقلب فيه، فيتوالى على خاطر الناشئ في النعيم والترف ما لا يتوالى على خاطر الناشع في حال عسرة وبؤس، ويحضر في نفس من شبَّ في الحاضرة ما لا يحضر في نفس الناشئ في البادية، وينساق إلى خيال الناشئ في شمال المعمورة ما لا يدخل في خيال الناشع في جنوبها، فالمقيم في شمال أوربا - مثلاً - يذكر الشتاء، فتقارنه صورة الثلج، وليس بينهما في ذهن المقيم بالجنوب اقتران واتصال؛ لقلة مشاهدته للثلج، أو عدم وقوع نظره عليه طول حياته، ولو نظر إلى الهلال رجلان، هذا نشأ في الحلية، والآخر اتخذ الحصاد حرفة، فالشأن أن يتداعى إلى الأول صورة السوار، وينتقل منه إلى المعصم أو