عزماً صادقاً، أما من لم تسبق له تجربة، فقد يتخيل الأمر بمكان لا تناله يده، أو يخشى من أن يلاقي وراء السعي إليه خيبة، فيقف في تردد وإحجام، فذو العمر الطويل من أولي الألباب، قد يكون أسرع إلى بعض الأمور، وأشد عزماً عليها من حديث السن؛ لما تفيده التجارب من إمكانها، ونجاح السعي لها.
وتنشأ قوة الإرادة من درس التاريخ، فالذي يخطر في باله أمر، قرأ في سيرة شخص أنه كان قد هم بمثله، وعمل لحصوله، فنجح عمله، وصلحت عاقبته، شأنه أن يعزم على ذلك الخاطر، ويجعله بعد العزم عملاً نافذاً، فمن يخطر في باله أن يدعو الحاكم الجائر بالموعظة الحسنة، وقد قرأ سير العلماء الذين كانوا يأمرون بعض الجبارين بالمعروف فيأتمرون، أو يكظمون في الأقل غيظهم ولا يبطشون، يكون أقوى عزمأ على الدعوة ممن لم يقرأ في هذا الشأن خبراً، لما عرفه من أن للحق الذي يخرج في أسلويه الحكيم سطوة على النفوس، وإن كانت طاغية، فيقدم على وعظه في رفق، وحسن خطاب، فإن لم يهده سبيل الرشد، قضى حق النصيحة له، وما على الذين أوتوا الحكمة إلا البلاغ.
وتنشأ قوة الإرادة من أدلة خاصة تجعل الرجل على يقين من نجاح العمل وحسن العاقبة، واعتبروا في هذا بتصميم أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - على قتال أهل الردة ومانعي الزكاة، فإنه كان عالماً بأنه على حق من قتالهم، وكان على ثقة من أنه سينتصر بفئته القليلة على جموعهم الكثيرة، ومما دله على أنه الظافر، وأن المرتدين عن الدين لا يفلحون، قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[الصف: ٩]. ولو تقاعد أبو