بكر عن جهاد تلك القبائل، وخلّى الردة تتفشى في جزيرة العرب وباء فاتكًا، لانفصمت عرا الوحدة العربية الإسلامية، ولم يستقم أمر تلك الفتوح التي كانت عاقبتها ظهور دين الحق على سائر الأديان.
وتنشأ قوة الإرادة من كمال بعض السجايا الأخرى، وبلوغها غاية قصوى؛ كسجية إباءة الضيم تهز الضعيف، وتثير في نفسه العزم على أن يدافع القوي عن حقوقه ما استطاع دفاعه، وكذلك خُلُق الشجاعة يجعل الرجل أمضى عزماً، وأسبق إلى الحروب من الجبان الذي يتمثل له الموت في كل سبيل.
ومما يساعد الرجل على صدق العزيمة خُلُقُ التعفف وشرف الهمة، فلتجدنَّ أنزه القوم نفسًا، وأبعدهم عن الطمع وجهة، أشدَّهم عزماً على أن يقول حقاً، أو يعمل صالحاً، وإن لم يرض عن قوله الحق، أو عملِه الصالح ذو مال أو سلطان.
تتفاوت الإرادة في القوة، وتفاوتها على قدر قوة شعور الرجل بما للشيء من حقيقة أو نفع، وعلى قدر ثقته من تيسره وإمكان حصوله، فالذي أتقن علماً، فأحاط بأصوله، وغاص على أسراره، يكون عزمه في الدعاية إلى الأعمال المرتبطة به أقوى من عزم ذلك الذي وقف في دراسته عند حد لا يجعله من أعلامه، والرئيس العادل يكون أقوى عزماً على حرب أعدائه من الرئيس الجائر؛ لأن العادل يثق من قومه بحسن الطاعة أكثر مما يثق الجائر، ومن ظفر من قومه بحسن الطاعة، فقد ظفر باكبر أسباب الفوز والانتصار.
نقرأ في التاريخ: أن المنصور بن أبي عامر الذي جذب عنان الملك من يد هشام بن الحكم في قرطبة، قد غزا ستًا وخمسين غزوة دون أن تنتكس له راية، أو يتخاذل له جيش، أو يصاب له بعث، أو تهلك له سرية، ومن درس