واجتماع الروح والبدن في رضا الله، هو ما يعمل له أولو الألباب من الناس، وقد رسم الإسلام للعمل في هذا السبيل خططاً، من انحرف عنها، أو تجاوز حدها، كان إلى الخسران أقرب منه إلى النجاح.
روي أن فريقاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجتمعوا، وقرروا فيما بينهم أن يسردوا (١) الصيام، ويعكفوا على العبادة، ولا يقربوا النساء والطيب، وأن يرفضوا الدنيا، ويسيحوا في الأرض، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم، فنهاهم في خطبة جامعة، وأنزل الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[المائدة: ٨٧].
كان أصحاب رسول الله يجدُّون في العمل الصالح ما استطاعوا، ويزهدون في الدنيا زهْد من لا يتناول منها إلا حلالاً طيباً، وزهْدَ من لا تلهيه تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وزهْدَ من يعاف أن تكون يده السفلى، ويد غيره العليا، وهم في هذا السبيل يتسابقون ويتفاضلون، وقد اشتهر كثير منهم بالجد في العبادة، والبلوغ في الزهد مكانة فضلى، ومن هذه الطائفة: أبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي.
أما أبو ذر، فكان يعظ عمّال عثمان - رضي الله عنه - حينما يراهم يتسعون في المراكب والملابس، فيتلو عليهم قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[التوبة: ٣٤]. وكان يملأ آذانهم تقريعاً، ويدعوهم، ويشتد في دعوته إلى أن ينفقوا ما زاد على حاجتهم في سبيل الخير، وهذا أمر يطيقه الخاصة، ولا يحتمله كل إنسان، فأنهى معاوية أمره إلى عثمان، فكتب عثمان يأمر أبا ذر بالقدوم إلى