والذي يؤخذ بطريق الاستنتاج: أن المؤلف عرف أن للغربيين في سلطة الملك مذهبين، فابتغى أن يكون للمسلمين مثلهما، ولما لم يجد في كلام أهل العلم عن الخلافة ما يوافق، أو يقارب القول بأن سلطان الخليفة مستمد من سلطان الله، تلمسه في المدائح من الشعر أو النثر، وادعى أنه ظفر ببغيته، وساقها كالشواهد على تقرير مذهب ليس له بين الراسخين في العلم من مبتدع ولا تبيع. ولا أظن المؤلف يجد في مباحث الخلافة ما يشتم منه رائحة هذا المذهب، ويتركه إلى الاستشهاد بأقوال الشعراء، أو كلمات صدرت على وجه المبالغة في الثناء.
ولو رمى هذا المذهب على كتف الفرقة الغالية من الشيعة، لكان له في بعض مقالاتهم متكأ، ولكن حديث هذه الطائفة لا مساس له بالخلافة التي طرح عليها بحثه، وسلقها بكلماته الحداد.
قال المؤلف في (ص ٧): "وقد رأيت -فيما نقلنا لك آنفاً-: أنهم جعلوا الخليفة ظل الله تعالى، وأن أبا جعفر المنصور زعم أنه سلطان الله في أرضه".
إذا جعلوا الخليفة ظل الله تعالى، فللحديث المروي:"السلطان ظل الله"، وسبق شرحه بأنه خرج مخرج التشبيه، حيث إنه يدفع الأذى عن الناس كما يدفع الظل أذى حر الشمس عمن يأوي إليه، وإضافته إلى الله لأنه أمر بإقامته وإطاعته، وأين هذا من معنى استمداد السلطان من سلطان الله؟!.
وقول أبي جعفر المنصور أنه "سلطان الله في أرضه" لا صلة له بالمعنى الذي يتحدث عنه المؤلف، وتأويل معناه -كما عرفت-: أن الله أمر بإقامة السلطان وطاعته، ومن هذه الجهة يصح إضافته إلى الله، وبالأحرى حيث يكون قائما على حراسة شرعه، ويسير في سياسة الناس على صراط مستقيم،