للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن لم يكن المنصور على هذه السيرة، فغاية ما يقال عنه: أنه سمّى نفسه سلطان الله، وهو غير صادق في هذه التسمية.

قال المؤلف في (ص ٧): "وكذلك شاع هذا الرأي، وتحدث به العلماء والشعراء منذ القرون الأولى، فتراهم يذهبون دائماً إلى أن الله - جل شأنه - هو الذي يختار الخليفة، ويسوق إليه الخلافة".

يعرف العلماء أن بين الخالق - جلّ شأنه - وأمر الخلافة صلة القضاء والقدر، وذلك معنى لا يختص بالخلافة، بل يتحقق في كل ما يحدث في الكون من محبوب ومكروه، وهناك معنى آخر زائد عن القضاء والقدر، وهو الإرادة بمعنى: المحبة والرضا، وهذا أيضاً يتعلق بكل ما فيه خير وصلاح، ولا يتعلق بأمر الخلافة إلا بتفصيل، وهو أنْ يقال: متى كان الخليفة مستقيماً عادلاً، كانت ولايته خيراً وصلاحاً، وصح أن يقال: وقعت بإرادة الله؛ أي: محبته ورضاه، وإن كان جائراً فاسقاً عن أمر ربه، كانت ولايته شراً وفساداً، واستحقت أن يقال عليها: إنها لم تكن محبوبة لله، ولا مختارة عنده، وممن نبه على حقيقة هذه الإرادة واختصاصها بما هو خير ومأمور به: أبو إسحاق الشاطبي (١) في "موافقاته"، وشيخ الإِسلام ابن تيمية (٢) في "رسالة الأمر والإرادة" (٣). فدعوى أن العلماء يذهبون دائماً إلى أن الله هو الذي يختار


(١) إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (... - ٧٩٠ هـ = ... - ١٣٨٨ م)، أصولي حافظ من أهل غرناطة.
(٢) أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام (٦٦١ - ٧٢٨ هـ = ١٢٦٣ - ١٣٢٨ م) الإمام، وشيخ الإِسلام، ولد في حران، وانتقل إلى دمشق، وتوفي معتقلاً في قلعتها.
(٣) (ص ٢٦٢).