للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو التصرف بنحو القضاء، أو بعمل مشروع؛ كاستخلاص الأموال المفروضة، وحمل الناس على أمر الجندية، وولاية نكاح من لا ولي لها.

ثم ذهب المؤلف في نحو من صحيفة يكيل للخليفة من إطلاق اليد، وسعة السلطان، ما كففنا طغيان بعضه فيما سلف، وسنتولى تهذيب بعضه فيما يأتي، وقد شعر وهو منفلت العنان؛ بأن الحقيقة تصيح به من كل جانب، وتضرب بأشعتها على رأس قلمه، فوقف بمقدار ما اعترف بأن الخليفة عند المسلمين مقيد بحدود الشرع، ثم انقلب يصف السبيل التي رسمتها الشريعة بكلام له باب باطنه فيه النقد، وظاهره من قبله الرضاء. وإنما قلت: باطنه فيه النقد, لأنه سيصرح بإنكار الخلافة، وإنكار أن يكون للإسلام شأن في السياسة، دون أن تأخذه فيما أنكر أناة أو هوادة.

ثم قال في (ص ٥): "نعم. هم يعتبرون الخليفة مقيداً بقيود الشرع، ويرون ذلك كافياً في ضبطه يوماً إن أراد أن يجمح، وفي تقويم ميله إذا خيف أن يجنح".

يرى المسلمون أن الخليفة مقيد بقانون الشريعة على الوجه الذي سنحدثك عنه في نقض الكتاب الثاني، وأن الإِسلام قرر لهم من الحقوق أن تقوم حول الخليفة أمة من الذين أوتوا العلم، يتقصَّون أثره، فيأمرونه بالمعروف إن تهاون، وينهونه عن المنكر إن طغا، فإذا ركب غارب الاستبداد، وأعياهم تقويم أوده، خلعوه غيرَ مأسوف عليه.

وقد كان بعض الخلفاء يرعى هذا الحق بصدق؛ كما أن الأمة في الصدر الأول كانت تعمل عليه بقوة، فانتظمت السياسة، وأشرق محيَّا العدالة، وقامت قاعدة المساواة على وجهها.