هذا من مبالغاته التي تضع للخلافة في نفوس المستضعفين من الناس صورة مكروهة، ولو كان المؤلف يمشي في بحثه على صراط سوي، لتحرى فيما ينطق به عن المسلمين أقوالهم المطابقة، وهم لم يقولوا: إن ولاية الخليفة عامة ومطلقة كولاية الله؛ فإن الله يفعل ما يشاء فيمن يشاء، ولا يسأل عما يفعل، والخليفة مقيد بقانون الشريعة، ومسؤول عن سائر أعماله، وكذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له خصائص لا يحوم عليها الطير، ولا يبلغها مدى البصر، منها: أن تصرفاته نافذة، ولا تتلقَى إلا بالتسليم، وتصرفات الخليفة قد تقابل بالمناقشة والنقض والإنكار، فإن عني بالعموم والإطلاق: مجردَ تناولها للرقاب والأموال والأبضاع (١)، قلنا له: إن نزاهة البحث، والأخذ فيه بفضيلة الإنصاف، يقضيان عليه بطرح هذه العبارة المرهقة بالعموم والإطلاق، وتشبيه المخلوق بالخالق؛ {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}[النحل: ١٧].
قال المؤلف عازياً إلى "طوالع الأنوار"، وشرحه "مطالع الأنظار": "ولا غرو أن يكون له حق التصرف في رقاب الناس وأموالهم وأبضاعهم". قطف المؤلف هذه الجملة من أصلها، وأطلقها خالية من الروح التي تجعلها حكمة جلية، فإن صاحب "المطالع" إنما ألقاها في نسق التعليل لأخذ العدالة شرطاً من شروط الإمامة، فقال: الرابعة: أن يكون عدلاً؛ لأنه يتصرف في رقاب الناس، وأموالهم، وأبضاعهم. وقال شارحه في "المطالع": لو لم يكن -يعني: الإمام- عدلاً، لم يؤمَن تعديه، وصرْف أموال الناس في مشتهياته، وتضيع حقوق المسلمين.
فالمراد من التصرف في الأموال والرقاب والأبضاع: التصرف بحق،